الصورة نشرتها حركة حماس الارهابية وتظهر فيها يد احد ارهابيي الحركة وهو يعطي علبة العدس للمختطف الاسرائلي افياتار دافيد
بقلم دكتورة نسيّة شمر, خبيرة في دراسات الإسلام, قسم دراسات الشرق الأوسط، جامعة بار إيلان، إسرائيل
في أحد مقاطع الفيديو الأخيرة التي بثتها حركة حماس، يظهر الأسير الإسرائيلي افياتار دافيد، يحفر قبره، وهو في حالة هزال شديدة، جلده يلتصق بعظامه، بينما يمد إليه أحد عناصر حماس علبة معلبات.
المفارقة المؤلمة في هذا المشهد أن يد الأسير كانت نحيلة وضعيفة، في حين أن يد العنصر الحمساوي كانت ممتلئة، وهو ما يدحض الادعاء بأنه “لا يوجد طعام في غزة”، ويفضح زيف تبرير تجويع الأسرى بالظروف.
فهل يسمح الإسلام بهذا السلوك؟ وماذا تقول الشريعة الإسلامية عن معاملة الأسرى، خصوصًا فيما يتعلق بالطعام والرعاية؟
القرآن الكريم:
قال الله تعالى في سورة الإنسان (76:8-9):
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾
هذه الآية توجب إطعام الأسير، دون انتظار جزاء أو شكر، وإنما لوجه الله. وقد اتفق المفسرون مثل الطبري والقرطبي على أن المقصود بـ “الأسير” يشمل حتى غير المسلم، وأن واجب الإطعام والرعاية لا يسقط بسبب الدين أو العداوة.
من السنة النبوية:
بعد معركة بدر، أُسر عدد من المشركين، وروى أحدهم أنه قال:
“كانوا يفضلونني على أنفسهم، يعطونني الخبز ويأكلون التمر.”
رواه البخاري – كتاب الجهاد. الخبز لم يكن طعامًا متوفرًا بكثرة في ذلك الزمان، ومع ذلك أعطوه للأسير، وهذا يدل على الرحمة.
وقال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“الأسير إنسان، لا تشدوا وثاقه بشدة، ولا تمنعوه طعامًا، وألبسوه مما تلبسون.”
موقف الفقهاء:
أكّد الإمام النووي أن الأصل في معاملة الأسير هو الرحمة والعدل. حتى في أوقات القحط، يجب المساواة بين المسلم والأسير، فلا يُعطى طعامًا فاخرًا، ولا يُمنع منه.
كما كتب الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله:
“الإسلام يعتبر الأسرى من الفئات الضعيفة التي تستحق الشفقة والرعاية. ويُوجب معاملتهم معاملة إنسانية تحفظ كرامتهم.”
فتوى “اللجنة الشرعية – قطاع غزة” التابعة لحماس:
في كتاب “دراسات وفتاوى ورسائل شرعية” الصادر عن اللجنة الشرعية – قطاع غزة، نُشرت فتوى واضحة تُقر بوجوب معاملة الأسرى بالحسنى وعدم إيذائهم جسديًا أو معنويًا. في الصفحة المرفقة، وتحديدًا في البند الرابع، ورد ما يلي:
رابعًا: إذا ثبتت السيطرة على الأسير، فإنّ الشريعة قد قررت له جملة من الحقوق، كـالحق في المعاملة الحسنة، وحرمة تعذيبه، وحقه في الطعام والشراب والدواء والكساء، ولا بأس بربطه إذا خيف هروبه، وكذلك له حق في حماية صحته ومحادثته، واحترام شرفه، وسمعته، وحريته في ممارسة شعائره الدينية.
النص يصرّح بشكل لا لبس فيه بأن للأسير حقًا في الطعام والدواء والكساء، وأن إيذاءه أو حرمانه من هذه الحقوق يتنافى مع الشريعة. فإذا كانت الفتوى هذه صادرة من لجنة تابعة لحماس نفسها، فإن ما تمّ بثّه من مشاهد لأسرى في حالة جوع شديد، هو انتهاك صريح لما تقره هذه الفتوى.
لا مبرر لـ “لا طعام في غزة“
المشهد الذي ظهر فيه أفياتار دافيد، وهو في حالة جوع شديد، بينما اليد التي أطعمته كانت ممتلئة، يثبت أن الطعام موجود لعناصر حماس، لكن يُمنع عن الأسرى عمداً. هذا لا يُسمى فقراً، بل هو تعذيب يخالف الشريعة والإنسانية، بل يخالف حتى ما أفتت به مؤسسات حماس نفسها.
الخلاصة:
تجويع الأسير محرم في الإسلام، ولا يجوز تحت أي ذريعة. الواجب هو إطعامه ورعايته، حتى في أوقات الشدة. ما قامت به حماس لا يُمثّل أخلاق الإسلام، بل يُشوّهها. السكوت عن ذلك يُعدّ تواطؤًا، والدين منه بريء.

 
							 
			 
			 
			